الاثنين، 12 فبراير 2018

طريق الجحيم الخيري


أثناء تصفحي اليومي لموقع الفيسبوك،وجدتُ إحدى الصديقات المعروفات بنشاطهن الخيري طوال العام تنشرُ طلبـًا لتجهيز عروسة،كان المبلغ المطلوب التبرع به ضئيلاً ولكن استوقفني عمر العروس .."ثمانية عشر عامـًا"! فقمتُ بكتابة تعليق يتضمن اعتراضي على تزويج الصغيرة في هذا العمر خاصة أن بيئتها فقيرة جدًا وربما كانت أقل من ثمانية عشر عامـًا!
قامت صديقتي بالرد قائلة :"هي مش متعلمة..كفاية كدا"
 فكتبتُ ردًا آخر : "يعني جاهلة وتجوزوها في سن صغير وتخلف عيال جهلة وتربيهم بجهل وتزود جهل المجتمع!مش أحسن تاخد الفلوس دي تتعلم بيها؟"
انتهى حواري القصير مع صديقتي بأن وضعت لي صورة تبكي في التعليق الأخير. شعرتُ بأنها اقتنعت بكلامي ولكن ما بيدها حيلة،المنظمة الخيرية التي تعمل فيها ستستمر في الإعلان عن تكاليف زواج الفتاة وسيتبرع أحدهم معتقدًا أنه يفعل خيرًا لها وتتزوج وتمرُ الحالة وتأتي بعدها حالة أخرى بمشكلة مشابهة،تعثرُ في سداد مصاريف الزواج وفتاة صغيرة جاهلة تُزف إلى المجهول!

حينما أرى إعلانات التلفاز التي تدعونا للتبرع أشعر بأننا مازلنا عالقين في حقبة الخمسينات من القرن الماضي؛مازالت مشاعر الناس تُستفز بالفتاة الفقيرة المعدمة التي لا تستطيع الزواج أو ربما أصابها السرطان فلن تستطيع –أيضـًا- الزواج،وتحولت الإعلانات الخيرية لطنط "حشرية" لا هم لها إلا تزويج الفتيات بينما نراهم يهتمون بتعليم الولد وتوفير فرص عمل لهم!
رغم أنه من الأفضل،  إنفاق أموال الصدقات على إنشاء مدرسة لتعليم الفتيات الفقيرات وإخراجهن من حالة الفقر والعَوز إلى حالة العمل والإنتاج حلاً أفضل لهن وللمجتمع

اليوم، يوجد حوالي 17% من سكان العالم الراشدين لا يجيدون القراءة والكتابة ثلثهم من النساء منهم حوالي  127 مليون شابـًا 60.7% منهم نساءً شابات ،وهكذا تصبح مشكلة محو الأمية و تعليم النساء مشكلة عالمية وليست رفاهية. فقد قامت أوبرا وينفري بإنشاء مدرسة في جنوب أفريقيا لتعليم الفتيات من الأسر الفقيرة وتبعتها المغنية مادونا وقامت بافتتاح مدرسة في مالاوي.

في هذه الحالة نرى أن إنفاق الأموال الطائلة في الخير يجب أن يوجه توجيهـًا صحيحـًا نحو إدارة أزمة الأمية في مصر وعلاجها،لأنه بدون محو الأمية في مصر فلا فائدة لكل الجهود المبذولة للتنمية.
بناء المدارس يجب أن يحتل المرتبة الأولى في أولويات تبرع المواطن المصري عملاً بمقولة "علمني الصيد ولا تعطني سمكة". وهكذا ننقذ مصر من الوقوع في عهود أخرى من الثلاثي الكئيب والمظلم : الجهل،الفقر والمرض.

ولكن المشكلة ليست فقط في تعليم الفتيات الفقيرات،بل أن بعض الأسر –مُيسّرة الحال- تلجأ لتهديد بناتها بحبسهن في المنزل وعدم ذهابهن إلى المدرسة أو الجامعة أو حتى العمل إذا لم يـُحسنّ التصرف من وجهة نظر العائل بالطبع وهذه مشكلة جذرية في المجتمع الذي لا يجد أفراده –حتى المتعلمين منهم- غضاضة في منع الفتاة من التعليم وترك الحبل على الغارب للولد لأنه "ذكر".
لذلك تبدو المهمة أصعب لإقناع المشاهد بضرورة تعليم الفتاة الفقيرة ولكن ليست مستحيلة إذا تم التركيز على أسباب المشكلة ومخاطر عدم التعليم.

ولنتذكر اختلاف العمل الخيري  عن العمل الطبي،فالطبيب يـُعالج مرضاه بدون النظر إلى خلفياتهم،هل هو قاتل أم عالم ذرة؟ أما في المجال الخيري فأنت تقوم بمساعدة أفراد بشكل يمكنهم من العيش بطريقة أفضل وهؤلاء الأفراد يشكلون المجتمع المصري في النهاية،إذًا،فمساعدتك ستنعكس بالضرورة على شكل المجتمع وكيف يتعامل أبناؤه مع بعضهم البعض.

"الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة"..تطل هذه الجملة كل مرة أسمع فيها عن صدقة كان القصد بها إحسانـًا ولكن عدم  توظيفها جيدًا أدّى إلى تفاقم المشكلة لا حلها جذريـًا. لأن الصدقات والأموال الخيرية هي لبناء المجتمع وليس فقط لإرضاء ضميرك.


المصادر :
http://www.unesco.org/new/ar/education/themes/education-building-blocks/literacy/resources/statistics/



كتبت / سارة حسين

هناك تعليق واحد: