هل سمعت أم رأيت !؟
عادةً نربط السمع بالرؤية و كأن هذا الأمر طبيعي ، و لكن الحقيقة تختلف كثيرًا
مازلتم لا تقتنعون برأيي !؟
إذن ، ما رأيكم أن تسمعوا هذه القصة ثم تحكموا بعدها ؟!
حدث ذلك في (مارسيليا) ، في عهد كانت تسيطر عليها فيه عدة عصابات ، استطاعت أن تمتلك كل شيء ، حتى الشرطة و القضاء و القانون ...
في ذلك العصر ، في ثلاثينيات القرن العشرين ، قام أحد زعماء هذه العصابات بقتل أحد خصومه ، فألقي القبض عليه , و عندما جاء
شاهد الإدانة الوحيد ، ليقف أمام المحاكمة ، و أمام ذلك القاضي الذي حصل بالمساء فقط على رشوة ضخمة ، لتبرئة زعيم العصابة ،
سأل القاضي الشاهد في صرامة :
- ماذا حدث بالضبط ؟
أجابه الشاهد في هدوء واثق :
- لقد كنت أجلس في مخزن المتجر ، و مسيو (فيران) صاحب المتجر في الخارج ، في الثانية بعد منتصف الليل ، ثم سمعت طلقًا
ناريًا و عندما هرعت من المخزن إلى المتجر ، رأيت مسيو (فيران) جثة هامدة ، و الدماء تنزف من ثقب بين عينيه الجامدتين
الجاحظتين ، و مسيو (ديبوا) يقف أمامه ، و مسدسه في قبضته و الدخان يتصاعد من فوهته و لم يكن هناك سواء .
سأله القاضي في صرامة مخيفة :
- هل رأيته و هو يطلق النار على رئيسك ؟
أجابه الشاهد في بساطة :
- كلا ... و لكن مظهره كان يؤكد أنه هو الفاعل ، فلم يكد يراني حتى رمقني بنظرة قاسية و دس المسدس في جيبه ، و غادر المكان
في هدوء ، و هو يتصور أنني لن أجرؤ على إدانته و الشهادة ضده قط .
عاد القاض يسأله في صرامة :
- هل رأيته يطلق النار ؟
أجابه الشاهد في حيرة :
- بل سمعت صوت الطلق الناري ، و ...
قاطعه القاضي المرتشي في حزم :
- هذا لا يعد دليلاً كافيًا .
ثم ضرب مائدته بمطرقته الخشبية مستطردًا في صرامة :
- فلينصرف الشاهد .
احتقن وجه الشاهد في غضب ، و نهص من مقعد الشهادة و أدار ظهره للقاضي و هتف بصوت مرتفع :
- يالك من قاض غبي و أحمق ، و تشبه الخنازير في عقلك و مظهرك .
صاح القاضي في مزيج من الغضب و الدهشة و الاستنكار :
- كيف تجرؤ على إهانة هيئة المحكمة أيها الرجل ؟ إنني أحكم عليك بـ...
استدار إليه الشاهد ، و قاطعه بغتة :
- هل رأيتني أشتمك و أسبك يا سيدي ؟
صاح القاضي في غضب :
- لقد سمعتك ، و سمعك الجميع ، و ...
قاطعه الشاهد ، مبتسمًا في خبث :
- هذا ليس دليلاً كافيًا يا سيدي .
احتقن وجه القاضي و ضجت القاعة بالضحك ، و أدرك الجميع مغزى المفارقة و وجد القاضي نفسه في مأزق يهدد سمعته
و مستقبله ، فلم يجد أمامه سوى أن يستسلم لرغبة الرأي العام ... و يحكم على زعيم عصابة (مارسيليا) بالإعدام .
و كان أول حكم بالإعدام على أحد زعماء (مافيا مارسيليا) ...
((منقول من عدد كوكتيل 2000 الأول))
و الآن ، بعد قراءتكم للقصة السابقة ، هل استفدتم شيئًا !؟
لقد كثرت الأقاويل و الشائعات هذه الأيام و أصبحت معظم الجرائد تصفية حسابات . لذلك وجب علينا التحذير و التدقيق فيما نقرأ
و فيما نسمع ... لا تصدق بسهولة كل ما يـُقال لك و لا تصدق كل ما تسمع و حتى كل ما ترى !
لأن تطور الميديا الآن و برامج الخداع السمعي و البصري يساهم في ترويج الشائعات بشكل أساسي الآن .
فاحذروا أرجوكم ! و اسألوا مروج الشائعات : " أسمعت أم رأيت ؟! "
و لا تصدقه أيضًا فربما يكون كاذبًا أو مدعيًا و لا تردد وراءه ما يقول أبدًا !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق