عزيزي (ع) ،
أكتب لك هذه الرسالة الاستثنائية وأنا جالسة على شاطيء البحر الأحمر أتأمل ما يجري وما جرى وما يمكن أن يجري في المستقبل.
أصبحتُ شبه موقنة من تشبيه جدتي لي بأنني أشبه البحر؛في أمواجه وتقلباته الحادة.ولكنني جالسة هنا تضربني موجةُ تلو موجة وكأن البحر يريد أن يقول لي " انتبهي إلى عظمتي ولا تفكري في شيء آخر يعكر صفو مزاجكِ".. أعلم أن هذا قوله لأنني لو كنت مكانه لقلت هذا.
إن التأمل في البحر متعة لا توصف،قد يـُفكر شخصُ بأن هذا البحر مجد تمكّن الإنسان من تطويعه له،وآخر سيبرهن على أن نعمة وجود البحر لرفاهية الإنسان قيمة لا تـُقدر بثمن وهدية من الخالق لبني البشر وآخر سينظر للبحر على أنه مكان جيد لقضاء صيف ممتع. أيـًا كان تفكير الشخص سيظل البحرُ محطـًا لأنظار الجميع. ولتعلم يا عين،أن الأرواح العظيمة كلما ارتقت كلما خشعت لحكمة الكون. وقد صرتُ موقنةً أنني من قوم موسى الذين كـُتب عليهم التيه.لكن هذه المرة التيه داخل النفس والحياة.
أتأمل كل ما جرى خلال الشهور الماضية وأنظر إلى سارة القديمة التي لم أعد أملك منها شيئـًا اليوم. سارة القديمة التي كانت تبحث عن الحائط صار الحائط اليوم بالنسبة لها نهاية الطريق والشاطيء القريب هو نهاية المغامرة . سارة اليوم تعتمد على قوة ساعديها وقدميها للضرب في المياه ،أصبحت لا تخشى المخاطرةَ كثيرًا مع الطبيعة..فمغامرات الطبيعة أمتع وأكثر صدقـًا من مغامرات البشر. سارة اليوم تخطت الكثير من الحدود واستوى لديها الكثير من الحسن والسيء في اعتبار المجتمع.ولتعلم يا عين،أنه حين تتخطى هذا الحاجز يصير أدائك للعمل مبنيًا على الفعل نفسه متجاهلاً العاقبة الأخلاقية له،فالجزاء والعقاب صارا جزءًا من الخرافات التي تـُقيدك وتشغل حيز من التفكير كبير لديك. سـِل نفسك ما أسوأ ما يـُمكن أن يـُقال عنك؟! وحين يحدث حتى داخل نفسك ستتجاوزه وتتعايش معه كجزء من تاريخك الشخصي.
كانت ليلة الأمس ليلة قمراء،نظرتُ إلى القمر الجميل وتذكرت ليلة أخبرته الكثير من الأشياء،تبدو ليلة بعيدة رغم قربها الزمني نسبيـًا حين كان كل ما أوده هو بقائي معه كصديق مـُقرب فحسب . أجل يا عين،مازلت أفكر فيه حتى بعد لقائنا الأخير ولكنني أتعافى منه،أتعافى كثيرًا أو قليلاً لا يهم، المهم أنني أتقدم.
في تلك الليلة قلت له ملاحظة عن جمال القمر فأخبرني بوجود قمرين في تلك الليلة،قمر في السماء وقمر معه.أنا لم أنسَ قط كما يتهمني ولكني صرتُ أتأمل الأفعال أكثر. أن خيبة البشر الكبرى هي الكلام.
أخبرتني صديقتي في بداية العام أن حالتي ستتحسن حينما أفرح فرحة كبيرة غامرة تـُعيد لي بهجة الاستمتاع بكل شيء مرة أخر.وهكذا صرتُ أترقب أي حدث لي وكأنه الفرحة المنتظرة ولكن لا أدري..لا أعلم حقـًا الحكمة والدرس من كل ما حدث.تستغرب انتظاري بالطبع وأنا من يكره الانتظار ولكن لا تتعجب كثيرًا..فأنا مـَن يدعو كل يوم أن يـُدّبر لي الله فإني لا أُحسن التدبير،كما ألهج بالدعاءِ ألا يـُعلق قلبي بــمـَن وبما ليس لي.
أتعلم أنه كان أول شخص يدعو هذه الدعوة أمامي؟! " اللهم لا تـُعلّق قلبي بمن ليس لي"..ولكنني بدّلت فيها قليلاً لتصير "اللهم لا تـُعلّق قلبي بما ليس لي" أدعوها وأفكر في كل ما أنا مـُتعلقة به..الكتابة،الصحافة،الأصدقاء...هو!
ورغم ذلك تعلّقت!
لابد أنها الحكمة،ولكن أين؟!
أشعر برأسي ساخنـًا كلما أفكر هكذا.ربما على الأيام أن تمضي فحسب حتى أكتشف.
أود الحصول على موجة جديدة تـُعيد لي الاستمتاع مرة أخرى إلى حياتي.كم أود الحصول عليها فعلاً! أعتقد أنها الحل..حتى هذه اللحظة وحصولي عليها سأظل أبحث وأبحث وأقوّي من ساعديّ وقدميّ..وإن كنت تسألني مـَن هي سارة حسين،أخبرك بأنها شخصية خيالية لا توجد سوى في مخيلة كل مـَن يسمع بها.
تحياتي لك دومــًا،
المـُخلصة،
سارة حسين
09/09/2014
الثلاثاء
العين السخنة
ملحوظة: يـُخبرني إسلام صديقي أنني قاسية على نفسي وصريحة حد الألم وأنني أستغل هذه الصراحة وأستخدمها عل نفسي قبل الآخرين وأن البشر معتادون على سوق المبررات لأنفسهم حتى يتخففوا من وقع الألم ولكنني دونـًا عنهم أصارح نفسي حتى أؤلمها وأوجعها.لا أدري كيف لي أن أخفف من حدة هذه الصراحة؟!
أنا أصارح نفسي وأؤلمها حتى تعتاد ما يقول الناس وتصير روحي حـُرة من معتقداتهم وكلامهم. لا أدري كيف أفعل هذا بدون ألم..بدون أن أجرحني وأملأ نفسي بالوجع.