كبرت و هي مهووسة بغلق الأبواب المفتوحة ، لا ترغب في رؤية باب مفتوح أمامها دون أن يكون له فائدة تـُذكر .. المئات من الشجارات لكي لا يتركوا الأبواب مفتوحة .. تتذكر الدهشات الكثيرة من موقفها هذا و هي لا تكترث !
كبرت و أحبت و جـُرحت ، فأغلقت باب الحب و أوصدته جيدًا كي لا يدخل إلى حياتها مرة أخرى .
ثم ..
ظهر "هـو" ..
ذلك الهو الذي يقلب كيان أي أنثى رأسـًا على عقب ، و يحيل نهارها ليلاً و ليلها نهار .. نهارها الذي يصبح خاملاً بلا طعم دونه ، و ليلها المليء بالنشاط و الحيوية لأنها تتزين و تنتظر من أجله هو .
يأتي إليها محملاً بلهفة العاشق ، يمسك بأناملها الجميلة و يتطلع إلى عينيها الحالمتين .. تتطلع إليه بشغف
ثم تتذكر بابها المغلق ، فتبرد أطرافها بين يديه و تخفض رأسها ، يستفسر منها على السبب لهذا الإطراق غير المعهود عليها فتصمت ثم تترك يده و تركض بعيدًا بعيدًا نحو بابها الموصد .. تجلس بجانبه تبكي بحرقة ، هي لا تستطيع أن تبادله حبـًا ، هي لا تستطيع أي شيء سوى أن تجلس هكذا بين يدي العدم الذي تشعر به داخلها .. لاشيء .. لاشيء سوى الفراغ !
يرسل لها رسالة (أبكيكِ كل يوم) ، فتصمت كثيرًا و لا ترد .. هي تبكيه كل ساعة.. كل دقيقة.. لكن بابها موصد بشدة.. بقوة ..بعنف ...تصدم رأسها في بابها كثيرًا و لكن بلا فائدة !
كبرت و اختلطت بالبشر ثم غادروها ، فظلت فاتحة لأحد أبوابها لعل الغائب يعود و ربما يجد بابها موصدًا فلا يتمكن من الدخول إلى حياتها مرة أخرى .. ثم مرت الأيام ، و تناست فنست .. فأغلقت الباب بخليط من مشاعر الحب و الحزن و الجفاء .. خليط لا يمكن أن يوجد في بشر غيرها !
أخبرها صديق منذ زمن ، أنها تترك بابـًا خلفيـًا كي تهرب منه عندما تتأزم الأمور . هذا صحيح ، فهي دومـًا ما تملك بابـًا خلفيـًا ، هي لا تحب الأبواب الأمامية ، فهي مبهرجة مليئة بالزينة و البشر .. البشر الذين لا يعرفون عنها سوى أنها أنثى .. و كل شخص فيهم و تفكيره عن هذه الأنثى !
كبرت و تزوجت زواجـًا تقليديًا لا مشاعر فيه و لا حب .. فقط بابـًا آخر أصر المجتمع على أن يوجد و يـُفتح .. تجلس على طرف سريرها كل ليلة و تنظر إلى نفسها في المرآة .. هي .. جميلة ذكية و تبذل مجهودًا لتظل رشيقة حتى بعد زواجها و حملها عدة مرات .. تلمح انعكاسـًا ورائها . جسد ضخم ذو بطن كبيرة حتى لتشك مـَن منهما قد حمل لتسعة أشهر !
و قد زحف الصلع الوراثي على رأسه قبل أن يتم عقده الرابع في هذه الحياة الرتيبة المملة .. يجلس بلا مبالاة و قد تأكد مئة بالمئة أن زوجته مجنونة ، فهي لا تخبره أبدًا كم تحبه و لكنها تنظر دومـًا إلى نفسها في المرآة و تعتني بنفسها أشد العناية .
كبرت و أصبحت أمـًا و مازالت تخشى على أطفالها من الباب المفتوح ، و تتأكد من إغلاق أبواب منزلها جيدًا في المساء و مازال زوجها يظنها مجنونة !
كبرت ثم كبرت و أصبحت جدةً عجوزًا ، زوجها مات منذ زمن و أغلقت بابه بهدوء و هي تحمد الله على أنها وصلت إلى هذه المرحلة أخيرًا .. لم ترغب في أن تسأل نفسها لماذا مات مبكرًا .. أقنعت روحها بأنه كبير جدًا على المعيشة و أنها صغيرة جدًا على أن تظل تعاني لمدة لا تدري مداها من مرض انتابه و لا يريد أن يتركه أو يتركها .
كبرت و أصبح أحفادها ينادونها (يا جدة) و أبوابها مازالت مغلقة .
كبرت و أخذت تكبر حتى ماتت .. و لم تفتح بابـًا لسعادتها قط !
و ظلت حفيدتها - التي تعلمت منها أن تـُغلق أبوابها جيدًا و تعرضت لمحنات جدتها - ، تدعو الله كثيرًا .. تجلس في صومعتها و تدعو ..
و قد غيرت دعائها فلم تعد تقول ( يارب أعطني كذا) فأصبحت تقول (يا رب أعطني القوة اللازمة لأحصل على كذا)
أبصرتها .. جالسة في صومعتها و شعرت بالملائكة تحوم حولها و تردد معها و هي تدعو ..
يا الله
لا تعطني بابـًا مفتوحـًا ..
يا الله
أعطني مفتاحـًا !