الجمعة، 4 أبريل 2014

حدث في يوم العيد


"لاحظتها واقفة هناك أمام أحد أعمدة الإنارة في وسط الجزيرة التي تفصل الشارع العريض.. حزينة.. يعلو وجهها تجهم غريب و تنظر ناحية الشرق و كأنها تنتظر أحدًا قد تأخر عليها ."

كانت الشمس قد أوشكت على المغيب على أول يوم في عيد الفطر، و قد فرغتُ أخيرًا من الزيارات العائلية مع والدي الذي يـُصرعلى أن يأخذني كل عيد لأزور الأقارب و لأنه يعلم أنني أمل من تلك الزيارات سريعـًا و أنني أتحرق شوقـًا لأجوب شوارع المدينة ملتقطة لصور البهجة بقدوم العيد ، كافأني –لصبري- في نهاية الجولة بأن يشتري لي "آيس كريم" من المتجر الذي أفضله .
و بينما كنت واقفة أنتظره مستندة على باب السيارة أغوص في تفاصيل  كل هذه الضوضاء و كل ذلك الزحام .. وسط الأطفال الصغار الذين يصرخون في مرح  والأمهاث اللاهثات وراء أطفالهن .. الأضواء المبهجة للملاهي الشعبية  و التي طالما اعتقدت أن سوء صيانتها هو سبب كافٍ لعدم المخاطرة و ركوبها .. بائع السكاكر الذي ينادي بحماس منقطع النظير : "غزل البنات" .. أصوات المركبات المتداخلة مع أصوات الأغاني المنبعثة من مكانٍ ما .. كل ما في هذه اللوحة المبهجة من ألوان و أصوات لم يمنعني من التركيز عليها و قد انسحبت الصورة كلها للوراء و بقيت هي في منتصفها فقط .. تقف شامخة منكسرة النظرات كأنها تمثال حجري يعود لعصور ما قبل الميلاد .. تمثال نـُحت من روح فنان مرهف الحس غارق في الحزن و الكآبة .. !
تأملت ملابسها البسيطة ، عباءة طويلة سوداء و غطاء رأس أسود أيضـًا تربطه من الأمام و تمسك كيسـًا أبيض اللون بكلتي يديها ..
بدت لي سيدة ريفية لا تنتمي لروح المدينة الصاخبة بل أتت من عمق الأرض الرطبة و المساحات الخضراء لتقضي أجازة العيد في المدينة .
و مثل لوحة ألوان شذّ عنها لون شارد، لم يوحِ مظهرها بأنها مرتاحة في هذا الجو .
قطعت تأملاتي حافلة و عندما مرت وجدتها و قد استسلمت للتعب أخيرًا و جلست على الرصيف و ما زال نظرها مثبتـًا ناحية الشرق ، أدرت وجهي نحو ما تركز و لم أستطع أن أتبين شيئـًا يمت لها بصلة ، فهناك كان المزيد من المركبات السيارة تمر و لا أحد يلتفت إلى الآخر ، كلٌ في عالمه !
فأعدت النظر إليها و لاحظت –ربما لأول مرة- أن عينيها ليستا مثبتتين على شيء محدد .. هي فقط تنظر إلى الشرق ، حاولت تخمين ما الذي يدفعها إلى ذلك .. ربما هو الانتظار .. ربما هو الحنين إلى شخص ما غادر و لم يعد .. ربما غادر يوم العيد فصار يومه مرادفـًا عندها للتعاسة السنوية .. ربما قد اعتادت أن تأتي كل عام إلى نفس المكان و تنتظره .. فنحن –البشر- أحيانـًا نقوم بتصرفات غير مفهومة أملاً في استعادة شيء مضى و تركنا خلفه .
حدثتني نفسي أن ألتقط لها صورة بالكاميرا ، و أوثقها في ملفي عن العيد .. لا لشيء إلا أن أقول للناس أنه ليس الجميع يسعد بقدوم العيد ، لا أحد ينتبه لهؤلاء المهمشين على جوانب الحياة و أخلد تخميناتي عنها .. !
و قبل أن ألتقط الكاميرا ، وجدت يد والدي تمتد لي بالآيس كريم البارد و يفتح لي باب السيارة . لحظة استقراري في مقعدي سحبت كاميرتي و لمحت الساعة المتوقفة فوق العمود الذي تجلس أسفله و قبل أن أتحرك قيد أنملة كان والدي قد ضغط على دواسة الوقود . 


-تمت-


نـُشرت القصة للمرة الأولى في موقع آسيا إن